أصيب أكثر من 50 فلسطينيًّا من المرابطين والمعتكفين في المسجد الأقصى المبارك عندما اعتدي عليهم من قِبَل متطرِّفين يهود تحت حماية تامة من الشرطة والجيش الصهيونيَّيْن، حاولوا اقتحام المسجد الأقصى؛ حيث بدأت هذه المحاولات عند الساعة السابعة النصف من صباح اليوم الأحد (4-10).
.
بدأت الجماعات المتطرِّفة عدوانها على الأقصى صباحًا بمطالبة المعتكفين داخل الأقصى بتسليم أنفسهم، ثم احتشاد أعداد كبيرة من اليهود المتطرِّفين عند باب المغاربة كانت السلطات الصهيونية قد تعهَّدت بإدخالهم جميعًا المسجدَ الأقصى على دفعات، على الرغم من وجود مئات الفلسطينيين المعتكفين داخل المسجد؛ الأمر الذي تزامن مع انتشار عددٍ كبيرٍ من قوات الشرطة الصهيونية في المدينة القديمة بالقدس، وقامت المروحيات بالتحليق على ارتفاع منخفض بغرض تصوير تحركات المصلين داخل المسجد ومراقبتها، فيما انتشر جنود القناصة على أسوار المسجد الأقصى.
.
إلى ذلك أقدمت سلطات الاحتلال على اعتقال ثم الإفراج عن نائب رئيس الحركة الإسلامية في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 48 الشيخ كمال الخطيب وعددٍ من الشبان الفلسطينيين بعد الاعتداء عليهم بالضرب المبرِّح، في حين أصيب عشرات آخرون أثناء مواجهات اندلعت عند باب الأسباط وحول المسجد الأقصى، خاصة عندما استخدمت سلطات الاحتلال الهراوات والغاز المسيل للدموع في تفريق المتظاهرين والمعتصمين قريبًا من المسجد.
.
كما حوَّلت قوات الاحتلال الصهيوني مدينة القدس إلى ثكنة عسكرية، وأغلقت كافة المداخل المؤدية إلى المسجد الأقصى، ولم تسمح لأي مواطن بدخوله، كما طالبت عشرات الفلسطينيين المعتكفين داخله بتسليم أنفسهم، واعتقلت العديد من مواطني القدس؛ بينهم المسؤول السابق عن ملف القدس في سلطة رام الله حاتم عبد القادر، وقامت بمنع مدير الأقصى ومدير الأوقاف من دخول المسجد.
.
كما أفادت المصادر بأن الجماعات المتطرِّفة وأمام صلابة المرابطين بدأت بالتراجع والابتعاد عن المسجد الأقصى، وتوقّعت المصادر أن تستمر المحاولات الصهيونية لاقتحام المسجد بشكل متصاعد خلال الأسبوع القادم الذي يتزامن مع "عيد العرش" اليهودي.
.
كنائس القدس تتضامن مع الأقصى
.
بدوره استنكر المطران عطا الله حنا رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس في بيان له اليوم الأحد منع المسلمين من الوصول إلى مسجدهم الأقصى المبارك في الوقت الذي يُسمح فيه للمغتصبين المتطرِّفين بأن يجولوا ويصولوا في القدس وهم يطلقون شعاراتهم العنصرية المعادية للعرب.
.
وقال حنا: "أمام ما يتعرَّض له المسجد الأقصى المبارك نعلن تضامن كنائس القدس إلى أقصى درجات التضامن مع الأقصى المبارك، ونعلن باسم مسيحيِّي الوطن التضامن الأخوي مع الأشقاء في الوطن الواحد الذين يتم التطاول على مقدساتهم في وضح النهار على مرأى ومسمع العالم بأسره".
وتابع البيان: "إننا في كنائسنا نعلن أن الاعتداء على الأقصى والاعتداء على المسلمين وضربهم واعتقالهم والتنكيل بهم هو اعتداء علينا في الصميم، والاعتداء على المقدسات الإسلامية هو اعتداء على المقدسات المسيحية، وبالعكس".
.
موقف السلطة غطاء لممارسات الاحتلال.. وعلى الأمة أن تتحرك
.
من جهته أدان علي بركة المسؤول السياسي لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" في لبنان الاعتداء الجديد على المسجد الأقصى المبارك، معتبرًا أن هذا الاعتداء "يأتي ضمن مخطط صهيوني يرمي إلى تقسيم المسجد الأقصى المبارك بين اليهود والمسلمين، تمهيدًا للاستيلاء على الأقصى بكامله وهدمه وبناء الهيكل المزعوم مكانه؛ فهم يعتقدون أن عليهم هدم المسجد الأقصى".
.
وقال: "التهديد جدي وخطير، وعلى الأمة العربية والإسلامية أن تتحرك لإنقاذ الأقصى ومنع الاحتلال من الاستيلاء عليه وتنفيذ مخططه الإجرامي".
.
وتوجَّه بركة في حديثه لـ"المركز الفلسطيني للإعلام" بالتحية إلى "أهلنا في القدس وفي فلسطين المحتلة عام 48 الذين يذودون بأرواحهم وأجسادهم دفاعًا عن المسجد الأقصى المبارك ويتحدَّون جنود الاحتلال الصهيوني والمغتصبين الذين يحاصرون الأقصى".
.
طالب بركة "جامعة الدول العربية" و"منظمة المؤتمر الإسلامي" بأن تكون هناك "مواقف واضحة وجريئة تجاه ممارسات الاحتلال"، وأردف موضحًا: "المطلوب أولاً وقف كل العلاقات السياسية والاقتصادية مع الكيان وإغلاق السفارات الصهيونية في البلدان العربية والإسلامية، والضغط لدى مجلس الأمن لفرض عقوبات على الكيان".
.
هذا وأشار بركة إلى أن "اللقاءات التي تحدث بين رئاسة السلطة مع الصهاينة، والتنسيق الأمني مع العدو، وتراجع السلطة عن البت في تقرير غولدستون؛ كل ذلك يشكل غطاءً للاحتلال لتنفيذ مخططه ضد فلسطين والقدس"، كما أكد أن "العمل من أجل تحرير الأقصى وفلسطين واجب قومي وديني ومصلحة عربية وإسلامية قبل أن يكون مصلحة فلسطينية؛ لأن بقاء الكيان الصهيوني جاثمًا في قلب الأمة إهانة وإضعاف لها".
.
تكرار سيناريو الحرم الإبراهيمي في الاستيلاء على المسجد
.
الدكتور عبد الله معروف الأكاديمي والباحث المتخصص بشؤون القدس والمعارف المقدسية، أن ما جرى لا يقف عند حد الاقتحام العابر، بل هو جزء من مخطط كامل يهدف إلى السيطرة التامة على المسجد الأقصى كاملاً وتكرار السيناريو الذي جرى في المسجد الإبراهيمي في خليل الرحمن، متوقعًا أن يستمر التصعيد الصهيوني ضد الأقصى طيلة أيام "عيد العرش" اليهودي المستمر سبعة أيام.
.
وقال معروف في حديثٍ خاصٍّ لـ"المركز الفلسطيني للإعلام" اليوم الأحد (4-10): "بعد أن فشل الصهاينة وتأخَّر مشروعهم في هدم المسجد الأقصى، وكذلك فشل مشروع الحفريات في هدم المسجد بعد أكثر من أربعين عامًا على الاحتلال، توجَّهوا الآن إلى فكرة اقتطاع جزء من المسجد الأقصى لصالح هذه الجماعات كمقدمة لدخول المسجد كاملاَ وأخذ مساحته كاملة، كما حدث ويحدث في المسجد الإبراهيمي في مدينة الخليل الذي اقتطع نصفه بعد مجزرة المسجد الإبراهيمي عام 1994 لصالح جماعات يهودية متطرِّفة ثم قاموا بمحاولات كثيرة لاقتطاع الجزء الباقي عن طريق تخصيص الجزء المسلم لصالح اليهود خلال الأعياد اليهودية، مثل عيدَيْ "العرش" و"الغفران" وغيرهما، واليوم أصبح المسلمون أنفسهم يصلون في المسجد في عدد معين من الأيام فقط؛ فما يحدث في المسجد الأقصى هو نفس السيناريو".
.
ولفت معروف إلى أّن ما جرى اليوم يمثل "المرة الأولى منذ عام 1967 التي تصر فيها الحركة الصهيونية على أن تدخل المسجد الأقصى رغم وجود مرابطين داخله، وهذه أول مرة لا تتذرَّع الشرطة بوجود مرابطين لمنع هؤلاء المتطرفين من دخول المسجد، وإنما تصر على إدخال المتطرفين خلال "عيد العرش" لأجل تثبيت أحقيتهم في المسجد الأقصى".
.
وكشف المتخصص بالشأن المقدسي عن تسريبات تناقلتها بعض وسائل الإعلام تؤكد أن " الجماعات المتطرفة ترى أن هذه آخر ستة أشهر قبل بدء بناء المعبد المزعوم، ويجب أن يتم بناء المعبد حسب رؤيتهم التوراتية حتى تاريخ 25-3-2010، وبناءً على هذه الرؤية نعرف سبب الإصرار الغريب من قوات الاحتلال على إدخال هؤلاء المتطرفين رغم وجود المرابطين المسلمين داخل المسجد الأقصى المبارك".
.
كما توقّع معروف أن يكون العيد اليهودي ساخنًا؛ لأن مدته سبعة أيام، "ومخطئ من يظن أن هذه المحاولة ستستمر اليوم فقط أو اليوم وغدًا، بل هي ستستمر أسبوعًا كاملاً مدة "عيد العرش"، والذي بانتهائه يجب أن يكون اليهود قد دخلوا أرض المسجد الأقصى، ونداءات اليهود هي لوصول عدد كبير من اليهود خلال الأسبوع إلى المسجد لكي يثبتوا لأنفسهم حقًّا في أرض المسجد".
.
الواجب على الجميع
.
وعن واجب الأمة العربية والإسلامية إزاء هذا التصعيد الصهيوني الخطير الذي يمس المسجد الأقصى المبارك، قال معروف: "الواجب الرسمي العربي هو أن تعرف الحكومات العربية والمسلمة أن التاريخ لن يرحمها إطلاقًا إذا تقاعست عن نصرة المسجد الأقصى، والتاريخ شهد تقاعس البعض قبل 800 سنة، وسجَّل هذا التقاعس بأقسى العبارات، وعلى قادة الأمّة أن يسجِّلوا لأنفسهم صفحة مضيئة".
.
كما أهاب معروف بالمؤسسات الإعلامية أن تؤديَ الدور المنوط بها على أكمل وجه؛ فقال: "على الوسائل الإعلامية مسؤولية كبيرة جدًّّا في توضيح حقيقة مدينة القدس والمسجد الأقصى وتوصيل رسالة المسجد الأقصى، وعلى الإعلام إبقاء قضية القدس حاضرة".
.
وختم حديثه الخاص لـ"المركز الفلسطيني للإعلام" قائلاً: "والمسؤولية الأخرى تقع على كل أبناء الأمة؛ فعلى كل فرد أن يعلم أن مدينة القدس ليس ملكًا للفلسطينيين، وإنما هي ملكٌ لكل فرد من أبناء أمتنا شخصيًّا، وعلى كل فرد أن يدافع عنها بما يستطيع".
--------------------------------
المركز الفلسطيني للإعلام